اخر المعلقين

أخر المواضيع

الأربعون النووية الحديث التاسع

الحديث التاسع
النهي عن كثرة السؤال والتشدد

عَن أبي هُريرةَ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ صَخْرٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ:

{مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ واخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ}

رواه البخاريُّ ومسلمٌ.

شرح الحديث التاسع 

قوله صلى الله عليه وسلم ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه )) أي اجتنبوه جملة واحدة لا تفعلوه ولا شيئاً منه، وهذا محموله على نهي التحريم، فأما نهي الكراهة فيجوز فعله، وأصل النهي في اللغة: المنع.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)) فيه مسائل: منها إذا وجد ماء للوضوء لا يكفيه فالأظهر وجوب استعماله ثم يتيمم للباقي. ومنها إذا وجد بعض الصاع في الفطرة فإنه يجب إخراجه. ومنها إذا وجد بعض ما يكفي لنفقة القريب أو الزوجة أو البهيمة فإنه يجب بذله. وهذا بخلاف ما اذا وجد بعض الرقبة فإنه لا يجب عتقه عن الكفارة، لأن الكفارة لها بدل وهو الصوم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم علىأنبيائهم)). اعلم ان السؤال على أقسام:

القسم الأول: سؤال الجاهل عن فرائض الدين كالوضوء والصلاة والصوم، وعن أحكام المعاملة ونحو ذلك .

وهذا السؤال واجب وعليه حمل قوله صلى الله عليه وسلم: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) ومسلمة، ولا يسع الإنسان السكوت عن ذلك قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل:43]، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إني أعطيت لساناً سؤولاً وقلباً عقولاً، كذلك أخبر عن نفسه رضي الله تعالى عنه.

والقسم الثاني: السؤال عن التفقه في الدين سبحانه وتعالى: {فلولا نفرَ مِنْ كُلَّ فرقةٍ منهم طائفة، ليتفقهوا في الدين ولِينذِروا قومَهُمْ إذا رَجَعوا إليهم لعلهم يَحذَرون} [التوبة:122].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا فليعلم الشاهد منكم الغائب)).

القسم الثالث: أن يسأل عن شيء لم يوجبه الله عليه، ولا على غيره، وعلى هذا حمل الحديث لأنه قد يكون في السؤال ترتب مشقة بسبب تكليف يحصل ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تسألوا عنها)). وعن علي رضي الله عنه لما نزلت {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}. [آل عمران :97].

قال رجل: أكل عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه، حتى أعاد مرتين أو ثلاثاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((وما يوشك أن أقول نعم، والله لو قلت: نعم لو جبت، ولو وجبت لما استطعتم، فاتركوني ما تركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فأجتنبوه)).

فإنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبْدَ لكم تَسُؤُكُم} [المائدة:101]. أي لم آمركم بالعمل بها، وهذا النهي خاص بزمانه صلى الله عليه وسلم. أما بعد أن استقرت الشريعة،و أمن من الزيادة فيها زال النهي بزوال سببه،وكره جماعة من السلف السؤال عن معاني الآيات المشتبهة.

سئل مالك رحمه الله تعالى عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه:5] فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة وأراك رجل سوء أخرجوه عني.

وقال بعضهم: مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم: وهو السؤال.

ترجمة الراوي 

أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وكان يعرف بالجاهلية باسم عبد شمس بن صخر، وعرف بأبي هريرة لأنه كان يرعى الأغنام وهو صغير مع هرته الصغيرة التي كان يحتفظ بها في الشجر ليلاً، حيث كان يعطف عليها، ويرعاها، ويطعمها، ولد في عام 19هـ في قبيلة دوس، وأسلم في السنة السابعة من الهجرة عندما كان في الثامنة والعشرين من العمر، كان أبو هريرة شديد الفقر، حيث كان يربط على بطنه حجراً من شدة الجوع، وفي أحد الأيام خرج وهو جائع، فمر به أبو بكر، فسأله أبو هريرة عن تفسير آية ما، ففسرها له، وانصرف، علماً بأن أبا هريرة يعرف تفسيرها، إلا أنه أراد منه أن يصطحبه لبيته ليطعمه، فمر عليه عمر بن الخطاب، وفعل معه كما فعل مع أبي بكر، إلا أنه رد عليه كما رد أبي بكر، وانصرف، فمر على رسول الله، فعلم ما يرد، وأخذه إلى بيته، فوجد لبناً في قدح، فقال: من أين لكم هذا؟ قيل: أرسل به إليك. فقال النبي: أبا هريرة، انطلق إلى أهل الصفة؛ فادعهم، فحزن أبو هريرة، وقال في نفسه: كنت أرجو أن أشرب من اللبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي، ثم قال في نفسه: لا بد من تنفيذ أمر الرسول، وذهب إلى المسجد، ونادى على أهل الصفة، فجاءوا، فقال في نفسه: إذا شرب كل هؤلاء ماذا يبقى لي في القدح، فأتوا معه إلى بيت النبي، فقال له النبي: أبا هر، خذ فأعطهم، فقام أبو هريرة يدور عليهم بقدح اللبن يشرب الرجل منهم حتى يروى ويشبع، ثم يعطيه لمن بعده فيشرب حتى يشبع، حتى شرب آخرهم، ولم يبق في القدح إلا شيء يسير، فرفع النبي رأسه وهو يبتسم وقال: أبا هر قلت: لبيك يا رسول الله، قال: بقيت أنا وأنت قلت: صدقت يا رسول الله، فقال الرسول: فاقعد فاشرب، قال أبو هريرة: فقعدت فشربت، فقال: اشرب. فشربت، فما زال النبي يقول لي اشرب فأشرب حتى قلت: والذي بعثك بالحق ما أجد له مساغًا، فقال النبي: ناولني القدح فأخذ النبي القدح فشرب من الفضلة [ صحيح البخاري].

ليست هناك تعليقات